تشهد غزة اليوم واحدة من أشد أزمات المجاعة في تاريخها الحديث، حيث تعاني آلاف الأسر من نقص حاد في الغذاء والموارد الأساسية نتيجة الحصار المستمر وتدهور الوضع الإنساني.
أصبحت غزة تواجه خطر انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، ما جعل الحصول على وجبة يومية بسيطة تحديًا كبيرًا لكثير من العائلات، خاصة في ظل الحرب الدائرة هناك.
تؤثر هذه الأزمة بشكل مباشر على الفئات الأضعف في المجتمع، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، مما يزيد من مخاطر سوء التغذية والأمراض المرتبطة بها, وتتصاعد الاحتياجات الإنسانية ونداءات الاستغاثة التي تطلقها المنظمات المحلية والدولية، وسط تحديات كبيرة تواجه عمليات الإغاثة بسبب القيود المفروضة على دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى القطاع, وإن فهم هذه الأزمة أمر ضروري ليس فقط لزيادة الوعي العالمي، بل لتحفيز العمل السريع والمستدام والذي يمكن أن ينقذ بدوره حياة آلاف الأشخاص ويمنع حدوث كارثة إنسانية أكبر في قلب المنطقة.
الوضع الإنساني في غزة و أسباب تفاقم المجاعة
في ظل الحرب المستمرة والحصار الخانق الذي يُطبّق على قطاع غزة، يواجه السكان مأساة إنسانية غير مسبوقة، تفاقمت أزمة المجاعة فيها بشكل كارثي وأصبحت بسببها حياة الآلاف على المحك, ومع تواصل الحصار والذي منع دخول المواد الغذائية والطبية الأساسية، بات الحصول على الطعام في غزة رفاهية نادرة، حيث أُفرغت الرفوف في الأسواق، وتوقف عمل العديد من المخابز، ما زاد من معاناة السكان الذين يقبعون بين الركام والجوع.
الأطفال والنساء وكبار السن يعانون بشكل خاص من سوء التغذية الحاد، مع ارتفاع خطر الأمراض المرتبطة بالجوع والظروف الصحية السيئة, بالإضافة إلى الدمار، أثّرت الحرب على فرص العمل ودخل العائلات، حيث فقد كثيرون مصدر رزقهم، وتضاعفت نسب الفقر والبطالة، ما زاد من معاناة السكان وعجزهم عن مواجهة الأزمة, إضافة إلى ذلك تواجه عمليات الإغاثة الإنسانية تحديات ضخمة، بين القيود المفروضة على وصول المساعدات والتدمير المستمر للمرافق الحيوية.
الوضع الحالي في غزة يقترب من كارثة إنسانية شاملة، تستدعي تحركًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقى من حياة آلاف المدنيين وتوفير الغذاء والمساعدات الطبية لهم قبل فوات الأوان.
أرقام وإحصائيات تكشف حجم الأزمة الغذائية في غزة
دخلت غزة رسميًا المرحلة الخامسة من المجاعة، وهي المرحلة الأشد فتكًا و خطورة حسب التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي.
في هذه المرحلة لا يكون السكان فقط جائعين، بل يموتون جوعًا، حرفيًا، وبشكل يومي , الأزمة لم تعد أزمة غذاء، بل كارثة إنسانية شاملة تعصف بكل تفاصيل الحياة في القطاع.
الإحصائيات الأخيرة الصادرة من مصادر طبية و ميدانية داخل غزة ترسم صورة قاتمة ومروعة:
- %100 من سكان غزة – أي ما يزيد عن مليوني إنسان – يعانون من الجوع، دون استثناء، في ظل انهيار كامل لسلاسل الإمداد الغذائي.
- 60 ألف امرأة حامل دون غذاء، يواجهن الخطر كل يوم، بأجساد مرهقة وأجنّة مهددة قبل أن ترى النور.
- 260 مريضًا فارقوا الحياة في غضون أسبوع بسبب سوء التغذية أوعدم توفر الدواء، بعد أن خرجت المستشفيات عن الخدمة، وتوقفت المولدات، ونفدت الأدوية الأساسية.
- 76 طفلًا توفوا خلال أيام قليلة فقط، نتيجة الجوع الحاد، اختطفهم الجوع في صمت، دون دواء، دون حليب، دون دفء.
- تعمل أقل من 10% من المخابز في غزة بشكل متقطع، وسط نقص حاد في الطحين والوقود، ما يجعل الخبز – أبسط مقومات الحياة – غير متوفر لغالبية السكان.
- أكثر من 90% من العائلات تتناول وجبة واحدة فقط كل يومين، وغالبًا ما تكون هذه الوجبة غير مكتملة العناصر الغذائية، أو لا تسد الجوع.
هذه الأرقام لا تمثل مجرد أزمة غذائية، بل تعكس موتًا بطيئًا جماعيًا يحدث تحت مرأى العالم , الجوع في غزة لم يعد عارضًا، بل سياسة قتل بطيء، يُمارس بحق المدنيين العزل، في ظل حرب مستمرة، وحصار خانق، وصمت دولي مخزٍ.
كيفية تقديم المساعدات الغذائية بفعالية تحت الحصار
في ظل الحصار المشدد الذي يخنق قطاع غزة، تصبح عملية تقديم المساعدات الغذائية تحديًا معقدًا يتطلب تنسيقًا عاليًا وخططًا ذكية لضمان الوصول الآمن والفعّال للمدنيين المحاصرين, ومع إغلاق المعابر، وتعطيل سلاسل التوريد، واستهداف المخازن والبنى التحتية، لا يكفي إرسال المساعدات فقط، بل يجب أن تكون العملية فعّالة ومدروسة وتصل إلى الفئات الأكثر حاجة.
لتحقيق ذلك، تعتمد المنظمات الإنسانية على عدد من الخطوات الأساسية، منها:
ـ التنسيق مع الجهات الدولية والمحلية:
مثل الهلال الأحمر، والأونروا، ومنظمات المجتمع المدني التي تمتلك حضورًا ميدانيًا مباشرًا، وتعرف الخرائط السكانية واحتياجات كل منطقة.
ـ التركيز على السلال الغذائية الجاهزة:
والتي تحتوي على مواد أساسية ومعلبات لا تحتاج للطهي أو الكهرباء، خاصة في ظل انقطاع الكهرباء وانعدام الوقود.
ـ استخدام الممرات الآمنة عند فتحها:
ولو بشكل مؤقت، وذلك لنقل المواد الغذائية بشكل سريع إلى المخازن أو مراكز التوزيع، مع تجهيز فرق طوارئ لتسليم المساعدات في غضون ساعات.
ـ توزيع رقمي عادل وشفاف: عبر بطاقات إلكترونية أو رموز خاصة تُسهّل على العائلات استلام حصصهم دون ازدحام أو فوضى، وتمنع التكرار أو التلاعب.
ـ أولوية للأطفال والمرضى والنساء:
من خلال تحديد مناطق الأزمات الكبرى، وتوجيه السلال الغذائية والغذاء العلاجي لهم أولاً.
كما أن الشفافية الإعلامية والضغط الدولي يلعبان دورًا أساسيًا في إيصال المساعدات ومنع تعطيلها أو مصادرتها، ما يجعل التوثيق، والمتابعة، والإبلاغ المستمر ضرورة لكل منظمة عاملة, رغم كل ذلك، فإن تقديم المساعدات بفعالية تحت الحصار ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى استجابة طارئة، وتعاون كبير، وإرادة إنسانية لا تتوقف أمام الحواجز.
جهود الإغاثة والتحديات التي تواجهها المنظمات الإنسانية
في ظل المجاعة المتفاقمة والحرب المستمرة في قطاع غزة، تبذل المنظمات الإنسانية جهودًا ضخمة لتوفير الإغاثة العاجلة، رغم العقبات الكبيرة التي تعترض طريقها, تعمل هذه الجهات على تأمين المساعدات الغذائية والطبية والمياه النظيفة، في محاولة لاحتواء الكارثة الإنسانية التي طالت جميع سكان القطاع، والذين أصبحوا تحت خطر الجوع ونقص الدواء.
نذكر فيما يلي بعض هذه التحديات:
ـ إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات:
حيث يُمنع إدخال شحنات الإغاثة عبر المعابر الحدودية بشكل منتظم، مما يُعيق تلبية الاحتياجات اليومية للمدنيين.
ـ الاستهداف المباشر للطواقم والمستودعات:
إذ تعرّضت العديد من القوافل والمراكز الإغاثية للقصف، ما أسفر عن مقتل متطوعين وتدمير مستودعات تحتوي على مساعدات حيوية.
ـ انهيار البنية التحتية:
دمار الطرق والمرافق العامة يُعرقل توصيل المساعدات إلى المخيمات والمناطق المتضررة، وخاصة في الشمال حيث تعيش عائلات بأكملها على حافة الهلاك.
ـ الطلب المتزايد والموارد المحدودة:
الحاجة تفوق بكثير القدرة الاستيعابية للمخازن، خاصة مع دخول المجاعة في مرحلتها الخامسة، وهي المرحلة الأشد فتكًا بحسب تصنيفات الأمن الغذائي.
ورغم كل ذلك، تستمر الجهود الإنسانية عبر حملات الاستجابة الطارئة، وتكثيف الدعوات الدولية للضغط من أجل فتح المعابر وتأمين ممرات آمنة لتوصيل الغذاء والماء والدواء, في مثل هذه الأزمات، يصبح التضامن العالمي ضرورة لإنقاذ أرواح آلاف الأطفال والمرضى الذين يصارعون للبقاء على قيد الحياة تحت حصار خانق وعدوان مستمر.